في خطوة تاريخية تحمل أبعاداً اجتماعية واقتصادية ودينية، أعلن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، أحمد التوفيق، رسمياً إلغاء شعيرة ذبح الأضاحي بمناسبة عيد الأضحى لعام 2025، وذلك بتكليف مباشر من العاهل المغربي، الذي أشار إلى أنه سيقوم بذبح الأضحية نيابة عن شعبه. هذا القرار، الذي حظي بتفاعل واسع في الأوساط المغربية، أثار تساؤلات عدة حول الإطار القانوني والشرعي لهذا التوجيه، ومدى إلزاميته، خاصة مع تداول إشاعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن فرض غرامات على المخالفين.
هل قرار إلغاء الأضاحي ملزم قانونياً؟
لفهم الوضع القانوني لقرار إلغاء الأضاحي، لابد من العودة إلى مبدأ دستوري وقانوني أساسي يتمثل في قاعدة "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص". هذا ما أكده عدد من الخبراء القانونيين، منهم المحامي خالد الدان، الذي أوضح أن التوجيه الملكي لا يحمل قوة الإلزام القانوني لغياب نص تشريعي يجرم المخالفة. وبالتالي، فإن ذبح الأضحية هذا العام لا يُعد مخالفة جنائية من الناحية القانونية، ما لم يصدر نص قانوني منشور في الجريدة الرسمية ينص على ذلك صراحةً.
طابع توجيهي للقرار الملكي
البلاغ الصادر عن الديوان الملكي لم يُلغِ شعيرة عيد الأضحى كعبادة دينية، بل وجه المغاربة إلى الامتناع عن الذبح هذا العام، في ظل أزمة اقتصادية خانقة وتراجع كبير في أعداد رؤوس الماشية نتيجة سنوات من الجفاف وسوء الظروف المناخية. وجاء هذا التوجيه، بحسب المجلس العلمي الأعلى، انطلاقًا من القاعدة الشرعية "رفع الحرج ودفع الضرر"، وهو ما يجعل من القرار توجيهاً سامياً يحمل طابعاً شرعياً وسياسياً وليس قانونياً زجرياً.
إشاعة "غرامات الذبح": لا أساس لها
انتشرت خلال الأيام الماضية شائعات تدعي أن من يذبح الأضحية سيتعرض لغرامة مالية وأن السلطات ستقوم بمراقبة المواطنين، وهو ما نفاه جملةً وتفصيلاً مختصون قانونيون، مؤكدين أن ترويج هذه الإشاعات يهدف إلى خلق البلبلة والإثارة ("البوز")، دون سند قانوني. كما أن أي متابعة قانونية لا يمكن أن تُبنى على بلاغ توجيهي، ما لم يتم تحويله إلى قانون صريح.
هل توجد إجراءات تنظيمية بديلة؟
رغم غياب العقوبات الجنائية، فإن بعض الخبراء لا يستبعدون إمكانية اتخاذ إجراءات تنظيمية أو إدارية من طرف السلطات المحلية، مثل غلق الأسواق الموسمية، أو منع تنقل الماشية، أو تعطيل المجازر خلال يوم العيد، وهو ما قد يندرج في إطار قانون السلامة الصحية 28.07 المتعلق بالمنتجات الغذائية. ووفق هذا القانون، فإن الذبح في أماكن غير مرخصة أو في ظروف لا تحترم المعايير الصحية قد يعرض صاحبه لعقوبات تتراوح بين الغرامات والمتابعة القانونية، لكن ليس بسبب الأضحية بحد ذاتها، بل بسبب انتهاك القوانين الصحية المعمول بها.
رمزية القرار وتأثيره المجتمعي
قرار إلغاء الأضحية هذا العام ليس سابقة في التاريخ المغربي، إذ سبق أن تم اتخاذ قرارات مماثلة خلال سنوات 1963، 1981، 1996، وذلك لأسباب اقتصادية وبيئية مشابهة. ولكن ما يميز قرار 2025 هو الرمزية السيادية القوية التي يحملها، حيث صدر عن مؤسسة إمارة المؤمنين، ما يعكس حرص الدولة على الحفاظ على القطيع الوطني، دعم الاقتصاد الفلاحي، والتضامن مع الفئات الهشة.
الباحث في الثقافة المغربية، الدكتور خالد التوزاني، اعتبر أن التزام المغاربة بالقرار يعكس قيمة الانضباط والوحدة الوطنية، حيث يُعد امتثال المواطنين لأوامر أمير المؤمنين جزءاً من الثقافة السياسية والدينية للمجتمع المغربي، وهو ما يعطي لهذا النوع من القرارات طابعاً رمزياً مؤثراً على السلوك الجماعي، حتى دون وجود عقوبات.
المغاربة بين التأييد والتحفظ
في الوقت الذي رحب فيه عدد كبير من المغاربة بالقرار الملكي، خصوصاً في ظل ارتفاع أسعار الأضاحي، أبدت فئة أخرى تحفظها، معتبرة أن بمقدورها شراء الأضحية وأن القرار قد لا يُراعي الخصوصيات الفردية. إلا أن فقهاء الشريعة شددوا على أن طاعة أولياء الأمور واجبة، خصوصاً إذا كان القرار يُراعي المصلحة العامة ويهدف إلى رفع الحرج والضرر.
الخلاصة: لا عقوبة لمخالفي القرار.. ولكن!
ختاماً، يمكن القول إن قرار إلغاء الأضحية هذا العام في المغرب هو توجيه ملكي سامٍ يستند إلى المصلحة العامة والظروف الاقتصادية والبيئية، وليس قراراً زجرياً يُرتب عقوبات قانونية. وبالتالي، لا يوجد نص قانوني يُعاقب من يُقدم على الذبح، لكن في المقابل، قد يتم تقييد بعض الأنشطة المرتبطة بالأضاحي لأسباب تنظيمية وصحية.
ويبقى التحدي الأكبر في مواجهة الإشاعات والأخبار الزائفة، وتعزيز الوعي القانوني لدى المواطنين، لضمان احترام التوجيهات العليا دون تهويل أو تضليل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق