
كشفت وثيقة رسمية حديثة صادرة عن الخدمة الزراعية الخارجية التابعة لوزارة الزراعة الأمريكية (USDA FAS)، في تقريرها المعنون "الحبوب… الأسواق العالمية والتجارة" لشهر مارس 2025، عن ارتفاع ملحوظ في واردات المغرب من القمح خلال موسم 2024/2025، حيث بلغت 7.5 مليون طن حتى نهاية فبراير الماضي.
وأشارت الوثيقة إلى تحول استراتيجي في مصادر التوريد، مع تزايد الاعتماد على قمح منطقة البحر الأسود، خصوصًا من روسيا وأوكرانيا، في ظل تراجع حاد في الإمدادات القادمة من فرنسا، التي كانت تاريخيًا أحد الموردين الرئيسيين للمملكة.
وفقًا للبيانات التفصيلية التي قدمتها الوثيقة، سجل استهلاك المغرب من القمح خلال الفترة ذاتها نحو 10 ملايين طن، مما يعكس الطلب المتنامي على هذه المادة الحيوية في البلاد.
ولم يقتصر الأمر على القمح، بل شملت الواردات أيضًا 3.46 مليون طن من الأعلاف منذ بداية عام 2025 حتى نهاية فبراير، بما في ذلك 2.7 مليون طن من الذرة، و750 ألف طن من الشعير، وهو ما يمثل نحو ثلث استهلاك المغرب من هذه الحبوب البالغ 2.2 مليون طن. هذه الأرقام تؤكد سعي المغرب لتأمين احتياجاته الغذائية والزراعية في ظل تقلبات الأسواق العالمية.
أبرزت الوثيقة أن تراجع إمدادات القمح الفرنسي دفع المغرب لتعزيز علاقاته التجارية مع موردي منطقة البحر الأسود. فقد أفادت هيئة الرقابة الزراعية الروسية بأن المغرب استورد 134 ألف طن من القمح الروسي منذ بداية العام، فيما يتوقع المركز الدولي لتنمية الصادرات الغذائية الزراعية في روسيا أن تصل هذه الكمية إلى 7.5 ملايين طن بنهاية الموسم، وهو رقم يتماشى مع إجمالي واردات المغرب الحالية من القمح. من جانبها، أوكرانيا ساهمت أيضًا في سد الفجوة الناتجة عن تراجع الإمدادات الأوروبية.
في المقابل، توقعت وزارة الزراعة الأمريكية أن تنخفض صادرات القمح الأوروبي إلى المغرب إلى 2.7 مليون طن فقط خلال هذا الموسم، وهو أدنى مستوى منذ موسم 2018/2019. ويعود هذا الانخفاض إلى شح الإمدادات الفرنسية، التي تأثرت بظروف مناخية وتحديات لوجستية، مما جعل المغرب يبحث عن بدائل أكثر موثوقية وتنافسية من حيث التكلفة.
على الصعيد العالمي، أشارت الخدمة الزراعية الخارجية إلى توقعات بارتفاع الاستهلاك العالمي من القمح في مارس 2025، رغم تراجع واردات دول كبرى مثل الصين وتركيا. في الوقت نفسه، سجلت صادرات الاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة انخفاضًا، مما يعكس تعقيدات السوق الدولية التي تواجهها الدول المستوردة مثل المغرب. ومع ذلك، تمكنت روسيا من تعزيز حصتها في السوق المغربية، مستفيدة من أسعار تنافسية وقرب جغرافي نسبي عبر طرق الشحن البحري.
يأتي هذا التحول في سياق سعي المغرب لضمان الأمن الغذائي في ظل التحديات المناخية التي تؤثر على الإنتاج المحلي، خاصة مع تكرر موجات الجفاف في السنوات الأخيرة. كما يعكس الاعتماد المتزايد على روسيا وأوكرانيا مرونة المغرب في تكييف سياساته التجارية مع المتغيرات الدولية، بما في ذلك التوترات الجيوسياسية التي قد تؤثر على منطقة البحر الأسود.
من جانب آخر، يثير تراجع الاعتماد على فرنسا تساؤلات حول تأثير ذلك على العلاقات التجارية التاريخية بين البلدين، خاصة أن فرنسا كانت لعقود المورد الرئيسي للقمح اللين المستخدم في صناعة الخبز، وهو عنصر أساسي في النظام الغذائي المغربي.
مع استمرار التقلبات في أسواق الحبوب العالمية، يبدو أن المغرب يراهن على تنويع مصادر استيراده لتفادي أي اضطرابات محتملة في الإمدادات. وفي الوقت الذي تعزز فيه روسيا وأوكرانيا حضورهما كشريكين استراتيجيين، قد يدفع ذلك الاتحاد الأوروبي، وفرنسا على وجه الخصوص، إلى إعادة تقييم استراتيجياتها التصديرية لاستعادة حصتها في السوق المغربية.
تجدر الإشارة إلى أن الخدمة الزراعية الخارجية (USDA FAS)، التي أصدرت هذه البيانات، تُعدّ وكالة حكومية أمريكية رائدة تهدف إلى دعم الأمن الغذائي العالمي وتعزيز تصدير المنتجات الزراعية الأمريكية، مما يجعل تقاريرها مرجعًا موثوقًا لتحليل اتجاهات الأسواق الدولية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق