في الوقت الذي يستعد فيه المغاربة لاستقبال موسم الأعراس، الذي يُعتبر تقليديًا فترة ذروة لاقتناء الحلي والمجوهرات، يواجه سوق الذهب المحلي أزمة غير مسبوقة بسبب الارتفاع الحاد في أسعار المعدن الأصفر. هذا الارتفاع، الذي يتزامن مع تقلبات اقتصادية عالمية وتحديات محلية، ألقى بظلاله على حركة البيع والشراء، مما دفع العديد من المستهلكين إلى إعادة التفكير في خطط اقتناء الذهب أو اللجوء إلى بدائل أقل تكلفة.
خلال الأشهر الأخيرة، شهدت أسعار الذهب في المغرب ارتفاعًا ملحوظًا، حيث اقترب سعر الغرام الواحد من عيار 18 من 650 درهمًا، بينما تخطى عيار 21 حاجز 750 درهمًا بعد إضافة تكاليف الصياغة. هذه الأرقام، التي كانت في السابق بعيدة عن متناول الكثيرين، أصبحت اليوم واقعًا يُثقل كاهل الأسر، خاصة تلك التي تُخطط لتجهيز العرائس في موسم الصيف.
يقول محمد الزبيري، تاجر ذهب في سوق الحديدة بالدار البيضاء: "في السنوات الماضية، كان بإمكان العائلات شراء مجموعة من الحلي تشمل القلائد والأساور وحتى الأطقم الكاملة بميزانيات معقولة. اليوم، يأتي الزبون بميزانية محدودة، فيكتفي بشراء خاتم أو قطعة خفيفة، أو يغادر المحل خالي الوفاض بعد سماع الأسعار."
ويضيف الزبيري أن العديد من الزبائن بدأوا يستفسرون عن الذهب المستعمل أو القطع ذات الأوزان المنخفضة كحل لتجنب الأسعار المرتفعة، وهو اتجاه جديد يعكس الضغوط الاقتصادية التي يعيشها المستهلك المغربي.
تقليديًا، يشهد فصل الصيف في المغرب انتعاشًا في سوق الذهب بفضل الطلب الكبير المرتبط بحفلات الزفاف. ومع ذلك، يبدو أن هذا العام مختلف. ففي مدن مثل فاس ومراكش والرباط، أفاد تجار بأن الإقبال على المجوهرات انخفض بنسب تتراوح بين 40 و60% مقارنة بالعام الماضي. هذا الانخفاض لا يعزى فقط إلى ارتفاع الأسعار، بل أيضًا إلى تراجع القدرة الشرائية للأسر نتيجة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.
فاطمة الزهراء، وهي شابة تستعد لزفافها في يوليو المقبل، تشارك تجربتها: "كنت أحلم بشراء طقم ذهبي يليق بالمناسبة، لكن الأسعار جعلتني أكتفي بشراء خاتم بسيط. حتى هذا الخاتم كلفني أكثر مما توقعت. العائلات اليوم تضطر إلى تقليص طموحاتها أو الاستغناء عن الذهب تمامًا."
يرجع خبراء اقتصاديون هذا الارتفاع إلى عوامل عالمية ومحلية متشابكة. على الصعيد العالمي، يواصل الذهب تسجيل مستويات قياسية، حيث بلغ سعر الأونصة حوالي 2600 دولار في الأسواق الدولية خلال أبريل 2025، مدفوعًا بالطلب المتزايد عليه كملاذ آمن في ظل عدم اليقين الاقتصادي والتوترات الجيوسياسية. هذا الارتفاع يؤثر مباشرة على المغرب، الذي يعتمد على استيراد الذهب الخام.
على الصعيد المحلي، يلعب ضعف قيمة الدرهم مقابل الدولار دورًا كبيرًا في رفع تكلفة الذهب المستورد. إضافة إلى ذلك، أشارت تقارير إلى ممارسات احتكارية من قبل بعض الموردين المحليين، مما دفع أسعار الذهب إلى مستويات أعلى من المعدلات العالمية في بعض الأحيان. هذه القضية دفعت الفيدرالية الوطنية للصياغة إلى تنظيم احتجاجات رمزية في الشهور الماضية، مطالبة بتدخل السلطات لتنظيم السوق.
لم تقتصر تداعيات ارتفاع الأسعار على المستهلكين، بل امتدت إلى التجار أنفسهم. في مدينة فاس، التي تُعتبر إحدى عواصم صناعة الحلي التقليدية، يعاني العديد من الحرفيين من تراجع الطلب، مما أدى إلى تكدس البضائع في المخازن. يقول عبد الله الراضي، صائغ تقليدي: "استثمرنا مبالغ كبيرة في شراء الذهب الخام قبل الارتفاع الكبير، والآن نجد صعوبة في بيعه بسبب تردد الزبائن. بعضنا يفكر في تقليص النشاط أو تحويل الاستثمار إلى قطاعات أخرى."
ومع ذلك، يحتفظ بعض التجار بتفاؤل حذر. فاطمة الصغير، صاحبة متجر مجوهرات في الرباط، ترى أن الذهب سيظل خيارًا مفضلاً للمغاربة بفضل قيمته الثقافية والاستثمارية. وتقول: "الذهب في المغرب ليس مجرد زينة، بل هو ادخار للمستقبل. قد يتأخر الزبون اليوم، لكنه سيعود غدًا عندما يتأقلم مع الأسعار الجديدة."
مع استمرار التقلبات في الأسواق العالمية، يتوقع المحللون أن تظل أسعار الذهب مرتفعة على المدى القريب، خاصة مع استمرار الطلب العالمي عليه كأصل استثماري. وفي المغرب، قد يضطر المستهلكون إلى إعادة ترتيب أولوياتهم، مع تزايد التوجه نحو الذهب المستعمل أو القطع ذات التصاميم البسيطة.
من جانبها، دعت الجمعيات المهنية الحكومة إلى اتخاذ إجراءات لتنظيم سوق الذهب، بما في ذلك مكافحة الاحتكار ودعم الصناعة التقليدية من خلال تخفيض الرسوم الجمركية على استيراد الذهب الخام. كما اقترح البعض تطوير منصات رقمية لبيع الذهب بأسعار شفافة، مما قد يساهم في استعادة ثقة المستهلكين.
في ظل هذه الأزمة، يجد سوق الذهب المغربي نفسه عند مفترق طرق. بين التقاليد العريقة التي تجعل من الذهب رمزًا للأفراح والاستقرار المالي، والتحديات الاقتصادية التي تُثقل كاهل المستهلكين، يبقى السؤال: هل سيتمكن المغاربة من الحفاظ على هذا التقليد الثمين، أم أن ارتفاع الأسعار سيُعيد تعريف علاقتهم بالمعدن الأصفر؟ في الوقت الحالي، تسود حالة من الترقب في الأسواق، مع أمل في أن تجلب الأشهر المقبلة انفراجة تُعيد الرواج إلى هذا القطاع الحيوي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق