
في تقرير حديث أصدره معهد "V-Dem" بالتعاون مع جامعة "فريدريش-ألكسندر إرلانغن-نورنبيرغ" الألمانية، احتل المغرب مراتب متدنية في مؤشر الحرية الأكاديمية العالمي (Academic Freedom Index - AFI) لعام 2025، مما يسلط الضوء على التحديات التي تواجه القطاع الأكاديمي في المملكة. يُعد هذا المؤشر أداة رئيسية لقياس مدى تمتع الأكاديميين بحرية البحث، التدريس، والتعبير في مختلف دول العالم، حيث يعتمد على خمسة معايير أساسية: حرية البحث والتدريس، حرية التعبير الأكاديمي، الاستقلال المؤسسي للجامعات، سلامة الحرم الجامعي، والتبادل الأكاديمي الدولي.
تصنيف المغرب: قيود معتدلة
وفقًا للتقرير، تم تصنيف المغرب ضمن الفئة "C"، وهي فئة تشير إلى وجود قيود معتدلة على الحرية الأكاديمية. هذا التصنيف يضع المغرب إلى جانب دول مثل الكويت وليبيا، لكنه يظل أعلى من دول أخرى في المنطقة التي تندرج تحت فئات أدنى مثل مصر واليمن، حيث القيود أكثر شدة. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها المملكة لتطوير التعليم العالي، إلا أن التقرير يشير إلى أن هناك عوائق تشريعية وإدارية تحول دون تحقيق حرية أكاديمية كاملة.
أسباب التراجع
من بين العوامل التي أثرت على تصنيف المغرب، يبرز تقييد حرية التعبير الأكاديمي في بعض المواضيع الحساسة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية. كما أن الاستقلال المؤسسي للجامعات يواجه تحديات، حيث تفرض بعض اللوائح الحكومية قيودًا على حرية إدارة الجامعات لبرامجها الأكاديمية. إضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى أن التبادل الأكاديمي الدولي في المغرب يعاني من نقص التمويل والبنية التحتية، مما يحد من قدرة الأكاديميين على المشاركة في المؤتمرات الدولية أو إجراء بحوث مشتركة مع نظرائهم في الخارج.
السياق الإقليمي
على المستوى الإقليمي، تُظهر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) أداءً ضعيفًا بشكل عام في مؤشر الحرية الأكاديمية. تونس تُعتبر استثناءً في المنطقة، حيث تتمتع بحماية دستورية لحرية البحث والتدريس، مما جعلها تحتل مرتبة متقدمة نسبيًا. في المقابل، دول مثل السعودية وإيران تُصنف ضمن الفئات الأدنى بسبب القيود الصارمة على الأكاديميين.
تأثيرات على التعليم والبحث
إن انخفاض مستوى الحرية الأكاديمية له تداعيات مباشرة على جودة التعليم العالي والابتكار في المغرب. فعندما يواجه الأكاديميون قيودًا على اختيار مواضيع بحوثهم أو التعبير عن آرائهم، يتراجع الحافز لإنتاج بحوث مبتكرة. كما أن هذا الوضع قد يؤثر على جذب المواهب الأكاديمية الدولية أو حتى احتفاظ المغرب بأفضل عقوله الأكاديمية، التي قد تفضل العمل في بيئات أكثر حرية.
خبراء التعليم يرون أن تحسين وضع المغرب في مؤشر الحرية الأكاديمية يتطلب إصلاحات هيكلية تشمل تعزيز استقلالية الجامعات، وتخفيف القيود على حرية التعبير، وزيادة الاستثمار في البحث العلمي. كما يُوصي التقرير بتعزيز الشراكات الدولية لدعم التبادل الأكاديمي وتوفير بيئة آمنة للأكاديميين للتعبير عن آرائهم دون خوف من العواقب.
يُعد تقرير مؤشر الحرية الأكاديمية لعام 2025 بمثابة جرس إنذار للمغرب لإعادة تقييم السياسات التي تحكم القطاع الأكاديمي. ومع استمرار الجهود لتحسين التعليم العالي، يبقى تعزيز الحرية الأكاديمية مفتاحًا لتحقيق تقدم مستدام في البحث العلمي والابتكار، وضمان مكانة المغرب كمركز إقليمي للمعرفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق