في خطوة هامة نحو تعزيز التنمية الجهوية المستدامة، صادق مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة على اتفاقية إطار تتعلق بمشاريع برنامج التنمية الجهوية للفترة 2022-2027، والتي تركز بشكل خاص على القطاع الفلاحي بالجهة. هذا القرار جاء خلال الدورة العادية للمجلس التي عُقدت مؤخرًا بمدينة طنجة، حيث تم تخصيص غلاف مالي ضخم يتجاوز مليار و265 مليون درهم لتنفيذ المشاريع المدرجة ضمن هذه الاتفاقية.
الاتفاقية الإطار، التي حظيت بموافقة أغلبية أعضاء المجلس، تهدف إلى دعم القطاع الفلاحي كأحد الروافد الأساسية للاقتصاد الجهوي. وتشمل المشاريع المخطط لها مجموعة من التدخلات الاستراتيجية التي تسعى إلى تحسين البنية التحتية الزراعية، زيادة الإنتاجية الفلاحية، وتثمين المنتوجات المحلية. ومن بين الأهداف الرئيسية لهذا المشروع تعزيز الأمن الغذائي بالجهة، تحسين ظروف عيش الفلاحين، ودعم التنمية المستدامة في المناطق القروية.
ووفقًا لتصريحات مصادر مطلعة من داخل المجلس، فإن الغلاف المالي المخصص سيتم توزيعه على عدة محاور تشمل تهيئة الأراضي الزراعية، تحديث أنظمة الري، إنشاء وحدات لتثمين المنتجات الفلاحية، بالإضافة إلى دعم التعاونيات الفلاحية والتنظيمات المهنية.
كما سيتم تخصيص جزء من الميزانية لتطوير سلاسل الإنتاج الزراعي مثل الزيتون، اللوز، والفواكه الحمراء، التي تُعد من أبرز المنتجات التي تزخر بها الجهة.
تأتي هذه الاتفاقية كجزء من برنامج التنمية الجهوية 2022-2027، الذي يُعتبر خارطة طريق لتحقيق تنمية شاملة ومتوازنة بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة. وقد أكد رئيس مجلس الجهة، عمر مورو، في كلمة سابقة له خلال دورة مارس 2025، أن هذا البرنامج يعكس رؤية استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الجهة واحتياجاتها، مع التركيز على تعزيز القدرات التنافسية الاقتصادية وتقليص الفوارق المجالية بين المناطق الحضرية والقروية.
ويُشار إلى أن الجهة قد أبرمت، حتى الآن، أكثر من 200 اتفاقية في إطار هذا البرنامج، بغلاف مالي إجمالي يصل إلى حوالي 15.78 مليار درهم، مما يمثل نحو 80% من الالتزامات المسطرة في مخطط التنمية الجهوية. ويُظهر هذا التقدم التزام المجلس بتسريع وتيرة تنفيذ المشاريع التنموية، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الفلاحة والصناعة والسياحة.
تتمتع جهة طنجة-تطوان-الحسيمة بإمكانيات فلاحية هائلة، حيث تبلغ المساحة الصالحة للزراعة حوالي 710,760 هكتارًا، وتُنتج مجموعة متنوعة من المنتجات مثل الزيتون (232,230 طنًا سنويًا)، اللوز (7,829 طنًا)، والفواكه الحمراء (57,392 طنًا)، إلى جانب الأفوكادو والخضروات الموسمية. كما تُعتبر الجهة رائدة في تثمين المنتوجات المحلية، حيث حققت عائدات مالية وصلت إلى 82.5 مليون درهم من خلال دعم التنظيمات المهنية ووحدات التثمين.
وفي هذا السياق، أشارت تقارير رسمية إلى أن المخطط الجهوي للفلاحة يهدف إلى رفع الناتج الداخلي الخام الفلاحي للجهة إلى مستويات أعلى، مع توقعات ببلوغ 20 مليار درهم بحلول عام 2030، وذلك من خلال استراتيجية "الجيل الأخضر" التي تركز على العنصر البشري والاستدامة.
لاقت هذه الخطوة ترحيبًا واسعًا من قبل الفاعلين في القطاع الفلاحي بالجهة، حيث أعرب عدد من ممثلي التعاونيات الفلاحية عن تفاؤلهم بأن تسهم هذه المشاريع في تحسين ظروف عملهم وزيادة إنتاجيتهم. وفي الوقت نفسه، دعا بعض المهنيين إلى ضرورة ضمان الشفافية في توزيع الموارد المالية وتسريع وتيرة التنفيذ لضمان تحقيق الأهداف المرجوة في الآجال المحددة.
من جانبه، أكد مصدر من داخل المجلس أن هذه الاتفاقية تُعد نموذجًا للتعاون بين الجهة والدولة والقطاع الخاص، مشيرًا إلى أن المشاريع المقررة ستُنفذ بالتنسيق مع المديرية الجهوية للفلاحة وعدد من الشركاء المحليين والوطنيين.
مع هذا الاستثمار الكبير في القطاع الفلاحي، تتطلع جهة طنجة-تطوان-الحسيمة إلى تعزيز مكانتها كقطب زراعي رائد على المستوى الوطني. ومن المتوقع أن تسهم هذه المشاريع في خلق فرص عمل جديدة، تحسين دخل الفلاحين، وتعزيز الاقتصاد المحلي، مما يعكس التزام المجلس بتحقيق تنمية شاملة تستفيد منها جميع مكونات الجهة.
وفي ظل استمرار الجهود لتنزيل برنامج التنمية الجهوية، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن هذه الاتفاقية من تحقيق التحول المنشود في القطاع الفلاحي بالجهة؟ الإجابة ستتضح مع تقدم الأشغال وانعكاساتها الملموسة على أرض الواقع خلال السنوات القادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق