مشروع شمسي عملاق في خريبكة وبنجرير يدفع المغرب بثبات نحو السيادة الطاقية والتنمية الخضراء

مشهد جوي لموقع مشروع الطاقة الشمسية العملاق في خريبكة، يُظهر صفوف الألواح الكهروضوئية التي ستُستخدم لتوليد الكهرباء النظيفة ضمن خطة المغرب للتحول الطاقي.

في خطوة استراتيجية تؤكد التزام المملكة المغربية بتحقيق انتقال طاقي مستدام، تم الإعلان رسميًا عن إطلاق مشروع ضخم للطاقة الشمسية في مدينتي خريبكة وبنجرير، في إطار رؤية وطنية طموحة تسعى إلى تعزيز استقلال المغرب الطاقي وتقليل الاعتماد على الواردات الأحفورية.

ويمثل هذا المشروع، الذي يشرف عليه المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بالتعاون مع شركاء محليين ودوليين، أحد أكبر الاستثمارات في قطاع الطاقة الشمسية خلال السنوات الأخيرة، حيث من المتوقع أن ينتج مئات الميغاواط من الكهرباء النظيفة باستخدام تقنيات الكهروضوئية المتقدمة، مدعومة بأنظمة تخزين عالية الكفاءة لضمان استقرار الإمداد على مدار الساعة.

اختيار خريبكة وبنجرير لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة دراسات معمقة أخذت بعين الاعتبار وفرة الإشعاع الشمسي، وتوفر الأراضي المناسبة، والبنية التحتية المتطورة، إضافة إلى القرب من مراكز صناعية كبرى خاصة المرتبطة بصناعة الفوسفاط. ويُنتظر أن يُساهم المشروع في تزويد تلك المناطق الصناعية بالكهرباء الخضراء، مما سيقلل من بصمتها الكربونية ويزيد من تنافسيتها على الصعيدين الإفريقي والدولي.

لكن ما يميز هذا المشروع الطموح، ليس فقط أبعاده البيئية، بل امتداد تأثيره إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية. فمن المقرر أن يخلق المشروع المئات من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، خاصة في مجالات البناء والتشغيل والصيانة. كما سيتم إطلاق برامج لتكوين وتأهيل اليد العاملة المحلية، مما سيمكن شباب المنطقة من الانخراط في اقتصاد المستقبل الأخضر.

وتكمن الأهمية الاستراتيجية لهذا الاستثمار أيضًا في كونه يعزز أهداف المغرب الوطنية في أفق 2030، التي تتضمن رفع حصة الطاقات المتجددة إلى أكثر من 52% من إجمالي القدرة الكهربائية المنشأة. وتشير آخر الأرقام الرسمية إلى أن المغرب بلغ فعلاً عتبة 40% مع نهاية سنة 2024، مما يعكس تسارع وتيرة الإنجازات في هذا المجال الحيوي.

إضافة إلى ذلك، يُنتظر أن يُسهم المشروع الجديد في توطين جزء من سلاسل إنتاج معدات الطاقة الشمسية داخل المغرب، بما يشمل تصنيع الألواح الشمسية، والأنظمة الإلكترونية، والمكونات الخاصة بالتخزين، وهو ما من شأنه تقوية النسيج الصناعي الوطني وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية.

وفي ظل التوجه العالمي المتزايد نحو الطاقات النظيفة، يعزز المغرب موقعه كمحور إقليمي للطاقة المتجددة، خصوصًا مع وجود مشاريع ربط كهربائي مستقبلية مع أوروبا ودول إفريقية مجاورة. ومن شأن هذه المشاريع أن تُحوّل المغرب من مستورد للطاقة إلى مصدر موثوق للكهرباء الخضراء على الصعيد الدولي.

ويرى خبراء الطاقة أن المشاريع من هذا النوع تشكل أداة قوية لمواجهة تقلبات أسعار الوقود الأحفوري عالميًا، وتحقيق أمن طاقي مستدام، مع المساهمة في الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة انسجامًا مع التزامات المغرب في اتفاق باريس للمناخ.

في الختام، فإن مشروع خريبكة وبنجرير لا يعد مجرد إنجاز هندسي أو طاقي، بل هو تعبير عن رؤية وطنية متكاملة تستشرف المستقبل، وتؤسس لنموذج تنموي جديد أكثر استدامة وعدالة، قادر على خلق التوازن بين متطلبات النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق