في خطوة لافتة تعكس التوجه الاستراتيجي نحو التوسع في الأسواق الناشئة، أعلنت شركة ريڤولت البريطانية، إحدى أبرز الشركات العالمية في مجال التكنولوجيا المالية، عن بدء مرحلة استكشافية لدراسة السوق المغربي، مما يشير إلى اهتمامها الجدي باختراق هذا السوق الذي يتمتع بإمكانات نمو كبيرة. ويأتي هذا الإعلان ضمن خطة أوسع تتبناها الشركة للتوسع في القارة الإفريقية، إذ يُنظر إلى المغرب كبوابة اقتصادية نحو القارة بفضل موقعه الجغرافي الاستراتيجي واقتصاده المتنوع والمتنامي.
وتشير تقارير إعلامية، من بينها ما ورد على موقع ميديا24، إلى أن الشركة بدأت فعليًا تحركات ميدانية غير معلنة في مدينة الدار البيضاء، تشمل التواصل مع مرشحين محتملين لتولي مناصب محلية، ما يعزز الانطباع بأن ريڤولت لا تكتفي بمجرد استكشاف السوق، بل تضع الأسس لتواجد فعلي في المستقبل القريب. ورغم عدم وجود إعلان رسمي عن نية الإطلاق، فإن هذه التحركات الميدانية تعكس توجهًا واضحًا نحو التوسع. وقد صرح متحدث باسم الشركة بأن المغرب يُعد سوقًا جاذبًا بفضل ارتفاع معدلات تبني الخدمات الرقمية والإصلاحات الحكومية الداعمة للبنوك الرقمية، مؤكدًا أن الخطوة الحالية تظل في إطار التقييم الأولي دون حسم القرار النهائي.
ريڤولت التي تأسست في لندن عام 2015 بدأت كمزود لخدمة تحويل العملات بتكاليف منخفضة، وسرعان ما تحولت إلى منصة مالية شاملة تُقدم خدمات تتراوح بين الحسابات متعددة العملات، وبطاقات الدفع الرقمية والفعلية، وخدمات التحويلات الدولية، وتداول الأسهم والعملات المشفرة، إلى جانب حلول السفر والتأمين. كما تُوفر منصة Revolut Business خدمات موجهة للشركات الصغيرة والناشئة مثل إدارة النفقات وتحصيل المدفوعات وتوفير حسابات دولية. وبنهاية عام 2024، بلغ عدد مستخدمي ريڤولت عالميًا أكثر من 52 مليون مستخدم، وسجلت أرباحًا قبل الضرائب تجاوزت مليار جنيه إسترليني، مع تصدر تطبيقها قوائم التحميل في 19 دولة أوروبية واحتلاله مراكز متقدمة في 26 دولة أخرى.
المغرب من جانبه يوفر بيئة مناسبة لاستقبال خدمات ريڤولت بفضل عدد من العوامل، منها النمو الاقتصادي المتسارع، والانتشار الواسع لاستخدام الإنترنت والهواتف الذكية، حيث يتجاوز عدد مستخدمي الإنترنت 25 مليون مستخدم، إضافة إلى نسبة الشباب العالية التي تميل إلى اعتماد الحلول الرقمية الحديثة. كما أن الحكومة المغربية اتخذت في السنوات الأخيرة خطوات كبيرة نحو تحسين مناخ الاستثمار، خاصة في القطاعات المالية، عبر سن قوانين تشجع على الابتكار المالي وتدعم مبادرات الشمول المالي. ورغم وجود منافسين محليين مثل بعض البنوك التقليدية وتطبيقات الدفع الرقمية، إلا أن السوق ما زال مفتوحًا أمام خدمات جديدة ومتكاملة كتلك التي تقدمها ريڤولت، لا سيما مع التفاوت في جودة الخدمات وتكلفتها.
دخول ريڤولت المحتمل إلى السوق المغربي قد يحمل معه تأثيرًا كبيرًا، من حيث تعزيز الشمول المالي عبر توفير حلول مصرفية رقمية بأسعار مناسبة، وتسهيل التحويلات الدولية التي يعتمد عليها جزء كبير من الاقتصاد المغربي من خلال تحويلات المغتربين، بالإضافة إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال أدوات مالية متقدمة تساعد في تنظيم العمليات التجارية وتحسين إدارة السيولة. كما يمكن أن يجذب الجيل الجديد من المستثمرين من خلال خدمات تداول الأسهم والعملات الرقمية.
رغم هذه الفرص، فإن ريڤولت قد تواجه تحديات تتعلق بالتنظيمات المالية المعمول بها في المغرب، التي تتطلب الامتثال الكامل للوائح بنك المغرب، إضافة إلى المنافسة القائمة وضرورة توعية المستخدمين بمزايا النيوبانك. لكن اعتماد استراتيجيات مثل التعاون مع شركاء محليين في قطاع الاتصالات أو المصارف، وإطلاق حملات تسويقية موجهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديم منتجات مخصصة للسوق المغربي، قد يسهم في تسهيل عملية الدخول وتحقيق الانتشار.
مع استمرار دراسة السوق وتقييم الإمكانات، تظل الأنظار متجهة نحو الخطوة التالية لريڤولت في المغرب، والتي قد تمثل نقطة تحول في مسار التحول الرقمي للقطاع المالي في المملكة. دخول الشركة إلى المغرب، إن تحقق، سيضيف فاعلًا عالميًا جديدًا إلى المشهد المالي المحلي، ويوفر للمستخدم المغربي خيارات أوسع وأكثر مرونة في إدارة أمواله واستثماراته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق