شهدت واردات المغرب من حمض الكبريتيك خلال عام 2024 قفزة غير مسبوقة، حيث بلغت 2.01 مليون طن، وهي أعلى كمية تسجل منذ ثلاث سنوات، وفقًا لبيانات جمركية نشرتها منصة الطاقة المتخصصة التي تتخذ من واشنطن مقرًا لها. وتأتي هذه الأرقام القياسية في سياق جهود المغرب لتلبية الطلب المتزايد في مركز الجرف الأصفر، أحد أكبر مراكز الإنتاج التابعة لمجموعة مكتب الشريف للفوسفات (OCP)، الرائدة عالميًا في صناعة الفوسفات والأسمدة. ومع توقيع اتفاقيات استراتيجية، مثل تلك مع شركة قطر للطاقة، وتعزيز البنية التحتية المحلية، يبدو أن المغرب يرسم خارطة طريق طموحة لتعزيز مكانته في سوق الأسمدة العالمي.
حجم الواردات: رقم قياسي يعكس الطلب المتزايد
كشفت البيانات الجمركية أن المغرب استورد ما يزيد عن مليوني طن من حمض الكبريتيك خلال العام الماضي، وهو رقم يتجاوز بكثير الواردات المسجلة في السنوات السابقة، مما يعكس الدور الحيوي لهذه المادة في دعم صناعة الفوسفات.
ويُعد مركز الجرف الأصفر، الواقع على الساحل الأطلسي، المستفيد الرئيسي من هذه الكميات، حيث يعتمد على حمض الكبريتيك كمادة أساسية في تحويل الفوسفات الخام إلى أسمدة قابلة للاستخدام.
تأتي هذه الزيادة في وقت تسعى فيه مجموعة OCP إلى تعزيز قدرتها الإنتاجية لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الأسمدة، في ظل ارتفاع أسعار الغذاء وأزمات الأمن الغذائي في العديد من المناطق.
خريطة التوريد: تنوع المصادر يضمن الاستدامة
أظهرت بيانات منصة "أرغوس ميديا" المختصة بشؤون الطاقة أن حوالي 50% من إجمالي واردات المغرب من حمض الكبريتيك جاءت من الصين ودول حوض البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، مما يبرز تنوع المصادر التي تعتمد عليها الرباط لتأمين إمداداتها. وفي تفاصيل الأرقام:
- تصدرت الصين القائمة بـ 424 ألف طن، محافظة على مستوى مستقر مقارنة بعام 2023.
- تلتها إيطاليا بـ 264 ألف طن، في إطار اتفاق توريد طويل الأجل شهد ارتفاعًا ملحوظًا من 19 ألف طن فقط في العام السابق.
- ساهمت بلغاريا بـ 227 ألف طن، مقارنة بـ 19 ألف طن في 2023، فيما قدمت تركيا 207.4 ألف طن، مرتفعة من 37 ألف طن.
- من جهة أخرى، عادت إسبانيا بقوة إلى الساحة بـ 198 ألف طن، وهو أعلى مستوى لها منذ 2021.
- أما دول شمال غرب أوروبا، فقد ضاعفت مساهمتها لتصل إلى 430 ألف طن، مقارنة بما كانت عليه في 2023.
ويُظهر هذا التنوع الجغرافي استراتيجية المغرب في تقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد على مورد واحد، مع ضمان استمرارية الإمدادات في ظل التقلبات الاقتصادية والسياسية العالمية.
شراكة استراتيجية مع قطر: الكبريت الخام في صلب الخطة
في خطوة تعكس رؤية طويلة الأمد، وقّعت مجموعة OCP في نوفمبر 2024 اتفاقية مع شركة قطر للطاقة لاستيراد 7.5 مليون طن من الكبريت الخام على مدى عشر سنوات. ويُعد الكبريت المادة الأساسية لإنتاج حمض الكبريتيك، مما يعني أن هذه الشراكة تهدف إلى تعزيز القدرة الإنتاجية المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات المباشرة للحمض الجاهز.
وتُعتبر قطر واحدة من أكبر منتجي الكبريت في العالم، بطاقة إنتاجية تصل إلى 3.4 مليون طن سنويًا، مما يجعلها شريكًا مثاليًا لدعم طموحات المغرب الصناعية.
وتعكس هذه الاتفاقية أيضًا رغبة شركة قطر للطاقة في تعزيز حضورها في سوق الأسمدة العالمي من خلال التعاون مع لاعبين رئيسيين مثل OCP، التي تُعد رائدة في هذا المجال بفضل احتياطياتها الهائلة من الفوسفات، والتي تقدر بحوالي 50 مليار طن.
تعزيز البنية التحتية: وحدات حرق الكبريت تدخل الخدمة
لم تكتفِ مجموعة OCP بتأمين الإمدادات الخارجية، بل عملت على تعزيز بنيتها التحتية المحلية لتتماشى مع الطلب المتزايد. ففي عام 2024، دخلت وحدتان جديدتان لحرق الكبريت حيز التشغيل في مركز الجرف الأصفر، مما يتيح معالجة الكبريت الخام المستورد وتحويله إلى حمض الكبريتيك محليًا.
وتهدف هذه الخطوة إلى تقليل الكلفة المرتبطة بشراء الحمض الجاهز، مع تعزيز الاستقلالية الصناعية للمغرب. وتأتي هذه التطورات في وقت تسعى فيه OCP إلى تحديث مرافقها بمعدات جديدة لضمان استدامة الإمدادات.
الاستهلاك وتوقعات المستقبل: تحول نحو الإنتاج المحلي
يرجع الارتفاع الكبير في واردات حمض الكبريتيك خلال 2024 إلى تزايد الطلب على أسمدة الفوسفات، التي تشكل العمود الفقري للصادرات الزراعية في العديد من الأسواق العالمية. غير أن الخبراء يتوقعون انخفاض الاستهلاك في عام 2025 إلى ما بين 1 و1.1 مليون طن، أي حوالي نصف الكمية المستوردة في العام الماضي.
ويعود هذا الانخفاض إلى الاعتماد المتزايد على الإنتاج المحلي لحمض الكبريتيك بفضل وحدات الحرق الجديدة، مما سيرفع من واردات الكبريت الخام بدلاً من الحمض الجاهز.
رؤية 2027: طموح OCP للسيطرة على سوق الأسمدة
تضع مجموعة مكتب الشريف للفوسفات نصب عينيها هدفًا طموحًا يتمثل في رفع إنتاج الأسمدة إلى 20 مليون طن بحلول عام 2027، مستفيدة من احتياطياتها الضخمة وشراكاتها الدولية. وتتماشى هذه الرؤية مع الاتفاقية الموقعة مع قطر للطاقة، والتي ستضمن تدفقًا ثابتًا للكبريت الخام على مدى العقد المقبل. ومع استمرار الاستثمارات في البنية التحتية والتكنولوجيا، يبدو أن المغرب يستعد لتعزيز دوره كلاعب رئيسي في سوق الأسمدة العالمي، مما يعزز مساهمته في الاقتصاد الوطني والأمن الغذائي الدولي.
مرحلة جديدة في صناعة الفوسفات
تشير الأرقام القياسية لواردات حمض الكبريتيك في 2024 إلى مرحلة تحول استراتيجي في صناعة الفوسفات المغربية، حيث يجمع المغرب بين تأمين الإمدادات الخارجية وتطوير القدرات المحلية. ومع شراكات مثل تلك مع قطر، واستثمارات في مرافق متطورة، يرسم المغرب مسارًا واضحًا نحو تعزيز مكانته كقوة عالمية في إنتاج الأسمدة. وفيما تتجه الأنظار إلى توقعات 2025، تبقى الأسئلة مفتوحة حول كيفية تحقيق التوازن بين الإنتاج المحلي والواردات في ظل التحديات الاقتصادية العالمية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق