
أعلنت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات المغربية عن تحقيق إنتاج قياسي للحبوب خلال الموسم الفلاحي 2024-2025، بلغ 44 مليون قنطار، مسجلاً زيادة بنسبة 41% مقارنة بالموسم السابق الذي لم يتجاوز 31 مليون قنطار. يمثل هذا الإنجاز علامة بارزة في تعافي القطاع الفلاحي المغربي بعد سنوات من التحديات الناجمة عن الجفاف، مما يعزز الأمن الغذائي ويقلل الاعتماد على الواردات.
توزع الإنتاج على ثلاثة أنواع رئيسية من الحبوب، وفقًا لتقديرات الوزارة:
- القمح اللين: 24 مليون قنطار، يشكل الركيزة الأساسية للإنتاج الوطني.
- القمح الصلب: 10.6 مليون قنطار، يستخدم بشكل رئيسي في صناعة المعكرونة والكسكس.
- الشعير: 9.5 مليون قنطار، يدعم قطاع الثروة الحيوانية كعلف أساسي.
وشهدت المساحات المزروعة بالحبوب الرئيسية زيادة ملحوظة، حيث بلغت 2.62 مليون هكتار، بارتفاع 6% عن الموسم السابق (2.47 مليون هكتار). هذا التوسع، إلى جانب تحسن الإنتاجية، ساهم في تحقيق هذه القفزة الكبيرة.
العامل المناخي: من الجفاف إلى الانتعاش
يعود هذا الأداء الاستثنائي إلى تحسن الظروف المناخية بعد سنوات من الجفاف الشديد. سجل معدل التساقطات المطرية الوطني 293 ملم، بزيادة 19% مقارنة بالموسم السابق، رغم انخفاضه بنسبة 18% عن المعدل السنوي العادي. وتميزت الأمطار بتوزيع زمني غير متساوٍ:
- أكتوبر: تساقطات مبكرة ساهمت في إنجاح زراعة الحبوب الخريفية.
- نونبر إلى فبراير: فترة جفاف طويلة ترافقت مع ارتفاع درجات الحرارة، أثارت مخاوف من تكرار سيناريو الموسم السابق.
- مارس وأبريل: أمطار غزيرة وتساقط ثلوج عززت نمو المحاصيل وأنقذت الموسم.
هذه التساقطات حسنت الغطاء النباتي، دعمت الزراعات الربيعية، وأسهمت في تحسين الوضعية المائية، مما يبشر ببرنامج سقي طموح لصيف 2025.
التوزيع الجهوي: ثلاث جهات في صدارة الإنتاج
تتركز 80% من الإنتاج الوطني في ثلاث جهات رئيسية:
- فاس-مكناس: 36% من الإنتاج، بفضل تربتها الخصبة ومساحاتها الزراعية الواسعة.
- الرباط-سلا-القنيطرة: 28%، مدعومة بأنظمة ري متطورة.
- طنجة-تطوان-الحسيمة: 16%، مستفيدة من التساقطات المطرية الغزيرة.
يتوقع أن يسجل الناتج الداخلي الخام الفلاحي نموًا بنسبة 5.1% خلال الموسم الحالي، مقارنة بانخفاض 4.8% في الموسم السابق. يعكس هذا التحول الأثر الإيجابي للأمطار، تحسين سلاسل الإنتاج، والجهود المشتركة بين الوزارة والمهنيين. كما أن تحسن الوضعية المائية والقطيع الوطني يعزز التفاؤل باستقرار القطاع الفلاحي، الذي يشكل ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني.
عانى المغرب خلال السنوات السبع الماضية من أطول فترات الجفاف في تاريخه الحديث، مما أثر سلبًا على القطاع الفلاحي. في موسم 2023-2024، انخفض إنتاج الحبوب بنسبة 43% إلى 31.2 مليون قنطار، مقارنة بـ55.1 مليون قنطار في 2022-2023. هذا الانخفاض كان نتيجة نقص حاد في التساقطات المطرية، مما أجبر المغرب على زيادة الواردات لتلبية الاحتياجات الغذائية.
خلال هذه الفترة، اتخذت الوزارة إجراءات استباقية للتخفيف من آثار الجفاف، بما في ذلك دعم الفلاحين، توفير البذور المدعومة، وتطوير برامج التأمين الزراعي. هذه الجهود، إلى جانب تحسن الظروف المناخية، مهدت الطريق لانتعاش الموسم الحالي.
خلال الجلسة الافتتاحية للمعرض الدولي للفلاحة بمكناس في 22 أبريل 2025، أعرب وزير الفلاحة، أحمد البواري، عن تفاؤله بالموسم الحالي، واصفًا إياه بـ"الواعد بكل المقاييس". وأشار إلى أن التساقطات المطرية في مارس وأبريل كانت "حاسمة" في تصحيح مسار الموسم، مضيفًا أن تحسن الزراعات الربيعية والقطيع الوطني يعزز آفاق النمو الاقتصادي الريفي.
رؤية مستقبلية: استدامة وتطوير
تسعى الوزارة إلى تعزيز استدامة القطاع الفلاحي من خلال استراتيجيات طويلة الأمد تشمل:
- تطوير الري: توسيع شبكات الري الحديثة لتقليل الاعتماد على الأمطار.
- زيادة المساحات المزروعة: استصلاح أراضٍ جديدة وتحسين إنتاجية الأراضي الحالية.
- تبني التكنولوجيا: استخدام تقنيات زراعية متقدمة مثل البذور المحسنة وأنظمة الزراعة الدقيقة.
- دعم الأمن الغذائي: تقليل الواردات من خلال تعزيز الإنتاج المحلي للحبوب.
كما تخطط الوزارة لتوسيع برامج التأمين الزراعي ودعم صغار الفلاحين، بهدف تعزيز قدرة القطاع على مواجهة التقلبات المناخية المستقبلية.
يمثل إنتاج 44 مليون قنطار خطوة كبيرة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي الجزئي من الحبوب، خاصة القمح، الذي يشكل عنصرًا أساسيًا في النظام الغذائي المغربي. كما يعزز هذا الإنجاز الثقة في قدرة القطاع الفلاحي على التكيف مع التحديات المناخية، مما يدعم الاقتصاد الريفي ويوفر فرص عمل لملايين المغاربة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق