في ظل التحديات المناخية وندرة الموارد، يبرز الذكاء الاصطناعي كركيزة أساسية لتحويل القطاع الفلاحي في المغرب، الذي يُشكل 14% من الناتج المحلي الإجمالي ويوفر العيش لنحو 40% من السكان. من الزراعة الدقيقة إلى الري الذكي، تُسهم هذه التقنيات في ترشيد استهلاك المياه، زيادة الإنتاجية، وتعزيز الأمن الغذائي، وسط طموحات استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030.
خلال الدورة السابعة عشرة للمعرض الدولي للفلاحة بمكناس (21-27 أبريل 2025)، أكد خبراء ومسؤولون أن الذكاء الاصطناعي يُمثل "مستقبل الفلاحة المغربية"، لكنه يتطلب قواعد بيانات موثوقة وبنية تحتية رقمية متطورة. فكيف يُشكل الذكاء الاصطناعي ملامح فلاحة ذكية ومستدامة؟ وما التحديات التي تواجه هذا التحول؟ تقرير "الجريدة" يستعرض الواقع والآفاق.
الذكاء الاصطناعي: أدوات مبتكرة لفلاحة ذكية
الزراعة الدقيقة: تُستخدم الطائرات بدون طيار، مثل تلك التي طورتها جامعة محمد الخامس بالرباط، لمراقبة المحاصيل واكتشاف الأمراض مبكرًا. كما تُساهم صور الأقمار الصناعية في تحليل خصوبة التربة، مما يُتيح قرارات زراعية دقيقة.
الري الذكي: تُستخدم أجهزة استشعار إنترنت الأشياء (IoT) لضبط كميات المياه، محققة توفيرًا يصل إلى 30% في بعض التجارب خلال 2024، وفقًا لتقارير المعهد الوطني للبحث الزراعي (INRA).
التنبؤ بالآفات: تطبيقات مثل "مرشد"، الذي طُور حديثًا، تُقدم استشارات فورية للفلاحين عبر واتساب باللغة العامية والأمازيغية، مما يُعزز التواصل مع الفلاحين في المناطق النائية.
إدارة البيانات: أكدت لبنى المنصوري، مديرة قطب الفلاحة الرقمية بوزارة الفلاحة، خلال ندوة بمعرض مكناس، أن "قاعدة بيانات ضخمة وموثوقة تُعد شرطًا أساسيًا لفعالية الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات الفلاحية".
نماذج مغربية رائدة
وتُسهم شركة "ديبليف" في تشخيص أمراض النباتات عبر الصور، مما يُقلل استخدام المبيدات ويُحسن جودة المنتجات المُعدة للتصدير.
استراتيجية الجيل الأخضر: الرقمنة في قلب التحول
تحديات التحول الرقمي
- التكلفة الطاقية: أشار محسن الكديسي، أستاذ جامعي وباحث في الذكاء الاصطناعي، إلى أن تكلفة البحث باستخدام أدوات مثل ChatGPT تُعادل عشرة أضعاف تكلفة البحث على Google. ومع ذلك، أثبتت الصين إمكانية تطوير ذكاء اصطناعي اقتصادي، وهو نموذج دعا الكديسي إلى الاستفادة منه.
- نقص المهارات الرقمية: يعاني الفلاحون الصغار من محدودية الوعي التكنولوجي، مما يتطلب برامج تدريب مكثفة.
- البنية التحتية: ضعف التغطية الرقمية في المناطق القروية يُعيق نشر تقنيات مثل المستشعرات وإنترنت الأشياء.
- التكلفة الاقتصادية: أكد عزيز سراج الدين، خبير في التكنولوجيا الفلاحية أن تكلفة التقنيات الحديثة تُشكل عائقًا أمام الفلاحين الصغار.
فرص واعدة: نحو فلاحة مرنة وتنافسية
- الأمن الغذائي: يُساهم تحليل البيانات المناخية في زيادة إنتاج الحبوب والبقوليات، مما يدعم أهداف الاكتفاء الذاتي.
- تعزيز التصدير: تُحسن التقنيات الذكية جودة المنتجات، مما يُعزز تنافسية المغرب في الأسواق العالمية.
- خلق طبقة وسطى زراعية: أوضح سراج الدين أن الرقمنة تُساعد الفلاحين على زيادة دخلهم وتقليل التكاليف، مما يدعم استقرار المناطق القروية.
- ريادة إقليمية: أكد محمد سعيد قروق، أستاذ علم المناخ بجامعة الحسن الثاني، في تصريح لـ"الجريدة"، أن "الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يُصبح أداة دبلوماسية إذا استثمر المغرب في تصدير خبراته إلى إفريقيا".
نماذج مبتكرة تُعيد تشكيل القطاع
تبرز الشركات الناشئة كمحرك للابتكار. شركة "أغري 4.0" تُقدم حلولًا ذكية لتحسين أداء الضيعات، بينما تُركز "كريستال ووتر" على تحلية المياه لمواجهة الجفاف. منصة "yadag"، التي أسسها محمد عدلي، تُعالج نقص العمالة الفلاحية من خلال ربط العمال بالشركات، مع تنظيم قوافل ميدانية في مناطق مثل بني ملال وأزيلال.
على صعيد آخر، تُسهم روبوتات المحادثة، مثل تلك التي طورتها شركة نور الهدى الزاهري، في تقديم معلومات فورية باللغة الدارجة، مع مستشعرات LoRa التي تنقل بيانات التربة والرطوبة لمسافة تصل إلى 15 كيلومترًا.
المغرب يستعد لقيادة الفلاحة الذكية
- البحث والتطوير: يقود المعهد الوطني للبحث الزراعي (INRA) جهود تطوير نماذج ذكية، بالتعاون مع جامعات مثل الحسن الثاني.
- التدريب: تُطلق الوزارة برامج لتأهيل الفلاحين على استخدام التطبيقات الرقمية، مع التركيز على الشباب.
- الشراكات الدولية: عززت اتفاقية 2025 مع فرنسا، خلال معرض الفلاحة بباريس، التعاون في مجال الابتكار الرقمي.
يُعد الذكاء الاصطناعي مفتاحًا لتحقيق فلاحة مغربية مرنة وتنافسية، قادرة على مواجهة التحديات المناخية وتعزيز الأمن الغذائي. مع التزام استراتيجية الجيل الأخضر والمبادرات المبتكرة، يتجه المغرب ليكون رائدًا إقليميًا في الفلاحة الذكية. لكن النجاح يتطلب تكثيف التدريب، تحسين البنية التحتية، ودعم الفلاحين الصغار.
أسئلة شائعة (FAQ)
ما هي تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الفلاحة المغربية؟
تشمل الزراعة الدقيقة، الري الذكي، التنبؤ بالآفات، وتطبيقات مثل "مرشد" و"AgriEdge" لتقديم استشارات فورية.كيف تُساهم استراتيجية الجيل الأخضر في الفلاحة الذكية؟
تدعم الرقمنة، توفر تقنيات حديثة للفلاحين، وتهدف إلى تحقيق 80% من الاكتفاء الذاتي بحلول 2030.ما التحديات التي تواجه التحول الرقمي في الفلاحة؟
التكلفة العالية، نقص المهارات الرقمية، وضعف البنية التحتية في المناطق القروية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق