يستعد القطاع الفلاحي المغربي لتحقيق قفزة نوعية خلال الموسم الفلاحي 2024-2025، حيث تتوقع الجهات الرسمية تسجيل نمو بنسبة 5.1% في الناتج الداخلي الخام للقطاع، في تحول لافت بعد تراجع حاد بلغ -4.8% في الموسم السابق. هذا الانتعاش، الذي أُعلن عنه خلال فعاليات الدورة السابعة عشرة للملتقى الدولي للفلاحة بمكناس، يعكس مرونة القطاع وقدرته على التكيف مع التحديات المناخية والاقتصادية، مدعومًا بجهود حكومية وتعاون وثيق مع الفاعلين في القطاع.
أمطار الربيع: محرك الانتعاش الفلاحي
على الرغم من بداية صعبة للموسم الفلاحي، اتسمت بتأخر التساقطات المطرية خلال الفترة من نونبر 2024 إلى فبراير 2025، إلا أن الأمطار الغزيرة التي شهدتها البلاد في مارس وأوائل أبريل غيرت المشهد بشكل جذري. هذه التساقطات، التي تضمنت أيضًا ثلوجًا في المناطق الجبلية، أعادت الحياة إلى الحقول، خصوصًا المزروعات الخريفية مثل الحبوب التي تشكل العمود الفقري للإنتاج الفلاحي المغربي.
وسجل المعدل الوطني للتساقطات المطرية حوالي 293 ملم حتى أبريل 2025، وهو مستوى يفوق بـ19% معدل الموسم الفلاحي السابق، لكنه يظل دون المستويات المثالية لسنة عادية بنسبة 18%.
هذا التحسن في الظروف المناخية، إلى جانب التوزيع الجيد للأمطار بين الخريف والربيع، ساهم في تعزيز الإنتاجية وإنعاش الأمل بين الفلاحين.
إنتاج الحبوب: قفزة نوعية بنسبة 41%
يُعد قطاع الحبوب من أبرز المستفيدين من هذا التحسن، حيث يُتوقع أن يصل الإنتاج الإجمالي إلى حوالي 44 مليون قنطار، مقارنة بـ31 مليون قنطار في الموسم الماضي، أي بزيادة مذهلة تبلغ 41%. وتتوزع هذه الكميات على النحو التالي:
- القمح اللين: 24 مليون قنطار، وهو المحصول الرئيسي الذي يدعم الأمن الغذائي الوطني.
- القمح الصلب: 10.6 مليون قنطار، والذي يُستخدم بكثرة في صناعة المعجنات التقليدية.
- الشعير: 9.5 مليون قنطار، وهو محصول حيوي لتغذية المواشي.
هذا الارتفاع في الإنتاج جاء مدعومًا بتوسع المساحات المزروعة، التي بلغت 2.62 مليون هكتار مقارنة بـ2.47 مليون هكتار في الموسم السابق، بزيادة نسبتها 6%. ويعكس هذا الاتجاه الإيجابي الاستثمارات المستمرة في تحسين البنية التحتية الفلاحية، بما في ذلك أنظمة الري وتوزيع البذور المحسنة.
التوزيع الجهوي: ثلاث جهات تقود الإنتاج
تظل الجهات الشمالية والوسطى للمغرب العمود الفقري للإنتاج الفلاحي الوطني. وتشير التوقعات إلى أن ثلاث جهات ستساهم بحوالي 80% من إنتاج الحبوب لهذا الموسم:
- فاس-مكناس: تتصدر القائمة بنسبة 36%، بفضل تربتها الخصبة وتنوع أنشطتها الفلاحية.
- الرباط-سلا-القنيطرة: تساهم بنسبة 28%، مستفيدة من قربها من الأسواق الرئيسية والبنية التحتية المتطورة.
- طنجة-تطوان-الحسيمة: بمساهمة 16%، مدعومة بظروف مناخية مواتية هذا العام.
هذا التوزيع يبرز أهمية التنوع الجغرافي في القطاع الفلاحي المغربي، الذي يعتمد على مزيج من الزراعة المروية والمطرية لضمان استقرار الإنتاج.
سياسات داعمة وتحديات مستمرة
يأتي هذا الانتعاش في إطار استراتيجية "الجيل الأخضر 2020-2030"، التي تهدف إلى تعزيز استدامة القطاع الفلاحي وتحسين دخل الفلاحين. وتشمل هذه الاستراتيجية دعم المزارعين بالبذور والأسمدة، وتطوير أنظمة الري لمواجهة تقلبات المناخ، بالإضافة إلى تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص لتسويق المنتجات الفلاحية محليًا ودوليًا.
ومع ذلك، لا يزال القطاع يواجه تحديات كبيرة، أبرزها التغيرات المناخية التي تزيد من مخاطر الجفاف وتؤثر على استقرار الإنتاج. كما تظل قضية تحسين ظروف عيش الفلاحين الصغار، الذين يشكلون الغالبية العظمى من العاملين في القطاع، على رأس الأولويات لضمان عدالة اجتماعية واستدامة طويلة الأمد.
آفاق مستقبلية ودور الملتقى الدولي للفلاحة
يُعد الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس، الذي انطلق تحت شعار "الفلاحة والعالم القروي.. الماء في قلب التنمية المستدامة"، منصة حيوية لعرض هذه التوقعات الإيجابية ومناقشة التحديات المستقبلية. ويشارك في الملتقى هذا العام أكثر من 1500 عارض من 70 دولة، مما يعزز مكانة المغرب كمركز إقليمي للابتكار الفلاحي.
ويتوقع الخبراء أن يسهم هذا النمو المتوقع في تعزيز الأمن الغذائي الوطني، ودعم الصادرات الفلاحية، التي تشكل رافدًا مهمًا للاقتصاد المغربي. كما يُنظر إلى هذا الانتعاش كفرصة لتعزيز الثقة في قدرة القطاع على مواجهة التحديات، سواء كانت مناخية أو اقتصادية.
موسم الأمل
مع توقعات إيجابية وجهود حثيثة، يستعد القطاع الفلاحي المغربي لموسم 2024-2025 ليكون موسم الأمل والتعافي. هذا الانتعاش لا يعكس فقط تحسن الظروف المناخية، بل يبرز أيضًا نجاح السياسات الوطنية في بناء قطاع مرن وقادر على دعم الاقتصاد الوطني. ومع استمرار التحديات، يظل التفاؤل سيد الموقف، مدعومًا بإرادة الفلاحين وتطلعهم لمستقبل أكثر استدامة وازدهارًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق