في ظل التحديات المناخية المتزايدة التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ألقت دراسة حديثة نشرها مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد الضوء على أزمة المياه التي تهدد الأمن المائي في المغرب، مؤكدة أن البلاد تواجه إجهادًا مائيًا مرتفعًا يتطلب حلولًا مبتكرة واستثمارات استراتيجية لضمان استدامة الموارد.
الدراسة، التي جاءت تحت عنوان "العلاقة بين المياه والطاقة: الطريق إلى حل أزمة المياه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، كشفت عن تراجع حاد في المخزون المائي بالمغرب نتيجة انخفاض معدلات هطول الأمطار بنسبة 30% خلال العقدين الماضيين، مما دفع البلاد إلى الاعتماد بشكل متزايد على المياه الجوفية.
وأشارت الدراسة إلى أن التغيرات المناخية، التي تتجلى في موجات جفاف متكررة وأكثر شدة، تزيد من تعقيد الأزمة، خاصة مع النمو السكاني المتسارع والطلب المتزايد على المياه في القطاعات الزراعية والحضرية.
وفي هذا السياق، يبرز القطاع الزراعي كأكبر مستهلك للموارد المائية في المغرب، حيث يستحوذ على نحو 85% من الإجمالي، مما يشكل "ضغطًا هائلاً" على المخزون المتاح. كما لفتت الدراسة إلى أن أساليب الري التقليدية تتسبب في هدر كميات كبيرة من المياه، داعية إلى اعتماد تقنيات ري حديثة لتعزيز الكفاءة.
وفقًا للدراسة، فإن العلاقة الوثيقة بين المياه والطاقة تمثل نقطة تحول محتملة في مواجهة الأزمة. فبينما يعتمد إنتاج المياه، خاصة عبر تحلية مياه البحر، على استهلاك كبير للطاقة، فإن توليد الطاقة نفسها يحتاج إلى المياه لأغراض التبريد. هذا الترابط يستدعي سياسات متكاملة تركز على استغلال الطاقة المتجددة، وعلى رأسها الطاقة الشمسية، لتخفيف الضغط على الموارد المائية.
وفي هذا الإطار، أشادت الدراسة بإمكانات المغرب الهائلة في مجال الطاقة الشمسية، معتبرة أن البلاد تمتلك فرصة ذهبية لتطوير مشاريع تحلية المياه باستخدام هذه الطاقة النظيفة. واستشهدت بمجمع "نور ورزازات" للطاقة الشمسية كمثال ناجح يمكن أن يشكل نموذجًا لتعزيز الأمن المائي دون الاعتماد على الوقود الأحفوري، الذي يفاقم الانبعاثات الكربونية ويؤثر سلبًا على البيئة.
لم تقتصر الدراسة على الطاقة المتجددة كحل وحيد، بل أكدت على أهمية إعادة تدوير مياه الصرف الصحي كاستراتيجية فعالة لتخفيف الضغط على الموارد المائية. وأشارت إلى تجارب ناجحة في دول المنطقة، حيث تمكنت بعضها من إعادة استخدام ما يصل إلى 90% من مياهها العادمة في الزراعة والصناعة. ودعت المغرب إلى تبني هذه الممارسات للاستفادة المثلى من موارده، خاصة في ظل التحديات الراهنة.
على صعيد التمويل، شددت الدراسة على ضرورة ابتكار حلول مالية لدعم المشاريع المائية، مثل إصدار السندات الخضراء وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وأكدت أن تعبئة الاستثمارات في مشاريع التحلية والطاقة المتجددة ستساهم في تعزيز الأمن المائي وتقليل الخسائر الاقتصادية المحتملة الناتجة عن ندرة المياه. وحذرت من أن التأخر في تنفيذ هذه الحلول قد يكلف المنطقة، بما فيها المغرب، انخفاضًا ملحوظًا في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050.
كما نادت الدراسة بأهمية التعاون الإقليمي لإدارة الموارد المائية المشتركة، مشيرة إلى أن تبادل الخبرات والتكنولوجيا في مجالات التحلية وإعادة التدوير يمكن أن يوفر حلولًا مستدامة وفعالة للأزمة. وأكدت أن التحديات المائية لا تقتصر على حدود دولة واحدة، بل تتطلب جهودًا مشتركة لضمان استقرار المنطقة بأكملها.
تأتي هذه الدراسة في وقت حرج، حيث يواجه المغرب ودول المنطقة سباقًا مع الزمن لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية ونقص الموارد المائية. ومع إمكاناته الطبيعية وموقعه الاستراتيجي، يبدو أن المغرب في وضع يمكّنه من قيادة هذا التحول نحو استدامة المياه، شريطة توفير الدعم المالي والتكنولوجي اللازم. فهل ستكون الطاقة الشمسية وإعادة التدوير مفتاح الخروج من هذه الأزمة؟ يبقى السؤال معلقًا بانتظار خطوات تنفيذية حاسمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق