يُعد قطاع التعدين بالمغرب واحداً من أبرز القطاعات الاستراتيجية التي تدعم الاقتصاد الوطني، بفضل الثروات المعدنية الهائلة التي يزخر بها باطن الأرض المغربية. لم يقتصر دور هذا القطاع على كونه مصدراً مهماً للدخل، بل امتد ليشمل المساهمة الفاعلة في توفير فرص العمل، وجذب الاستثمارات، ودفع عجلة التنمية الصناعية والاجتماعية في البلاد.
تاريخ عريق ومستقبل طموح
يمتلك المغرب تاريخاً عريقاً في استخراج المعادن يعود لقرون مضت، حيث تطورت الدراية الفنية في هذا المجال مبكراً. لكن القطاع شهد نقلة نوعية في العقود الأخيرة، مدفوعاً باستراتيجيات حكومية طموحة ورؤية واضحة تهدف إلى تعزيز مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي والصادرات.
يساهم قطاع التعدين في المغرب حالياً بنسبة كبيرة في الصادرات (قد تصل إلى 28%)، ويسهم بحوالي 7% إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي، كما يوفر عشرات الآلاف من فرص الشغل المباشرة وغير المباشرة. ومع تزايد الطلب العالمي على المعادن الاستراتيجية، تترسخ قناعة صناع القرار في المغرب بأن هذا القطاع هو دافع أساسي للتنمية الشاملة.
المغرب: أرض الثروات المعدنية
يُعرف المغرب بكونه أكبر منتج للفوسفاط عالمياً، حيث يمتلك أكثر من 70% من الاحتياطي العالمي لهذه المادة الحيوية التي تعد أساساً لصناعة الأسمدة والأمن الغذائي العالمي. لكن الثروة المعدنية المغربية لا تقتصر على الفوسفاط، بل تتنوع لتشمل أكثر من 70 نوعاً من المعادن الاستراتيجية والنادرة.
من أبرز أنواع المعادن المستخرجة في المغرب (بالإضافة إلى الفوسفاط) نجد:
النحاس: يعتبر المغرب مورداً أساسياً للنحاس على الصعيد الإفريقي، وتزداد أهميته في صناعات الطاقة المتجددة والبطاريات.
الكوبالت: يمتلك المغرب احتياطيات مهمة من الكوبالت، وهو معدن حيوي في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
الفضة: يُصنف المغرب الأول إفريقياً في إنتاج الفضة.
الزنك والرصاص: يحتل المغرب مراتب متقدمة إفريقياً في إنتاجهما.
المنغنيز والباريت والفلورين: معادن أخرى ذات أهمية اقتصادية كبيرة.
الذهب: تشهد مناطق مثل الأطلس الصغير تزايداً في اكتشافات الذهب.
المعادن النادرة: توجد معادن نادرة في مناطق مثل جبل تروبيك، والتي تكتسب أهمية متزايدة في الصناعات التكنولوجية المتقدمة.
كما تشير تقارير إلى وجود احتياطيات هامة من الغاز الطبيعي والنفط في مناطق مختلفة، قد تحدث نقلة نوعية في معادلة الطاقة بالمغرب.
استراتيجية واعدة لتعزيز القطاع
تتبنى الحكومة المغربية استراتيجية واضحة لتطوير قطاع التعدين بالمغرب، ترتكز على عدة محاور أساسية:
الإصلاح القانوني والتنظيمي: يتم العمل على تعديل القانون رقم 33.13 المتعلق بالمناجم، بهدف تبسيط الإجراءات، وتحفيز الاستثمارات، وتعزيز الشفافية، ومواكبة المستجدات العالمية خاصة فيما يتعلق بالمعادن الاستراتيجية والحرجة.
تنشيط البحث والتنقيب: التركيز على استكشاف مكامن جديدة من المعادن، خاصة تلك المطلوبة في التحول الطاقي والصناعات الحديثة.
تعزيز القيمة المضافة: العمل على معالجة وتصنيع المعادن محلياً قبل تصديرها، لزيادة القيمة المضافة وتعزيز الاقتصاد الوطني.
جذب الاستثمارات: يوفر المغرب بيئة استثمارية جاذبة، مما أسهم في ارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاع، مع تنفيذ أكثر من 100 مشروع تعديني حالياً بالتعاون مع شركاء دوليين من اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا والولايات المتحدة.
التعدين المستدام والمسؤول: تبني تقنيات متقدمة تهدف إلى الحد من التأثيرات البيئية وتعزيز المسؤولية الاجتماعية للشركات العاملة في القطاع.
تأهيل وتكوين الموارد البشرية: الاهتمام بتأهيل الكفاءات المغربية في مجال التعدين لمواكبة التطورات التكنولوجية.
التحديات والآفاق المستقبلية
على الرغم من الإمكانات الواعدة، يواجه قطاع التعدين بالمغرب بعض التحديات، منها:
بيروقراطية التراخيص: صعوبة وطول الإجراءات في بعض الأحيان للحصول على التراخيص، وهو ما تسعى الإصلاحات الحالية لمعالجته.
تقدير الاحتياطيات: الحاجة إلى آليات أكثر دقة لتقييم الاحتياطيات المعدنية.
المخاطر المرتبطة بأسعار المواد الأساسية: تقلبات الأسعار العالمية للمعادن.
المطالب الاجتماعية والبيئية: ضرورة التوفيق بين الأهداف الاقتصادية والمتطلبات البيئية والاجتماعية المتزايدة.
ومع ذلك، فإن مستقبل قطاع التعدين في المغرب يبدو واعداً، خاصة مع الاستراتيجية الطموحة 2025 التي تهدف إلى مضاعفة الإنتاج وتعزيز القيمة المضافة، والتوجه نحو المعادن الخضراء والاستراتيجية. شركات مثل "مناجم" (Managem)، التي تعد من أكبر شركات التعدين في المغرب، تقود هذا التحول من خلال استراتيجيات توسعية ومشاريع جديدة في القارة الإفريقية ودخولها مجال الطاقة المتجددة.
إن المغرب، بفضل موقعه الاستراتيجي وثرواته المعدنية المتنوعة وسياساته الداعمة، يستعد لتعزيز مكانته كقوة تعدين إقليمية وعالمية، ليصبح شريكاً أساسياً للاقتصادات المتقدمة التي تسعى لتنويع مصادر إمداداتها من المواد الأساسية للصناعات التكنولوجية والطاقية.